|
|
الكشوفات الأثرية في موقع ثاجدلمون،
العدد 21، مجلة جمعية تاريخ وآثار البحرين، ص ص
56-65، 2002 م
مدخلقبل التحدث عن ثاج دعوني أتحدث عن المدينة المفقودة الجرهاء: الجرهاء
كانت مركز حضاري على درجة كبيرة من الأهمية
وقد وصل تجارها الذين يعملون بتجارة البخور
مع غيرها من الكماليات حتى بابل والبترا
وبلاد العطور في جنوب الجزيرة العربية، وكانت
ثرواتها تضارع ثروة تجار السبئيين وذكر
سترابو عن أرتمدورس الذي ربما كان مصدره ((أجاثا
رخيدس)) انه لاحظ: ((وقد
اتضح من تحركات السبئيين والجرهائين انهم
كانوا من أغنى الولايات جميعا، وكانت لديهم
معدات وأدوات كثيرة من الذهب والفضة مثل
الأسرة والحوامل ثلاثية الأرجل والأوعية،
فضلا عن أواني الشراب، والمنازل باهظة
التكاليف المطعمة أبوابه وأسقفها بالعاج
والذهب والفضة، كما شوهدت مجموعة من الفضيات
والأحجار الكريمة)) (معجم سترابو الجغرافي، الكتاب 16، فصل 14،
قسم 19). وقد
جاء أول وصف طوبغرافي للجرهاء ضمن فقرة أخرى
من معجم سترابو الجغرافي الذي أخذ عن
اراتوثينس (276-196 ق.م) على الوجه التالي: ((يستطيع
الإنسان أن يصل الى (الجرهاء) بعد مسيرة 2400
ستيديا (250 ميل) على طول ساحل الجزيرة العربية
حيث تقع هذه المدينة على خليج عميق ويسكنها
الكلدانيون، وكذلك المنفيون من بابل. وبأرض
هذه المدينة أملاح كما يعيش الناس في منازل
مشيدة من الملح، الأمر الذي يعرض ألواح الملح
للذوبان نتيجة لاستمرار الحرارة المحرقة
لأشعة الشمس، وبالتالي سقوط هذه المنازل.
ويعمد الناس الى رش المنازل بالماء لتظل
الجدران متماسكة. وتبعد المدينة 200 ستيديا عن
ساحل البحر، وكانت تحركات الجرهائيين بطريق
البر في معظم الأجزاء وذلك أثناء اشتغالهم
بتجارة العطور. وهذا
على عكس ما يقوله أرسطو بولس من أن الجرهائيين
كانوا ينقلون معظم بضائعهم على رموث خشبية
حتى بابل، ثم يبحرون باتجاه مصب الفرات حيث
يحملونها بطريق البر الى كل أنحاء القطر (الكتاب
16 فصل 3 القسم 3). وأضاف
بليني (23-79 م) معلومات هامة أيضا ففي كتابه (التاريخ
الطبيعي) تضمن وصفه للخليج الفارسي عن تقرير
أعد من أجل بطليموس آبيفانيس (205-181 ق . م): ((إن
خليج الجرهاء والمدينة بهذا الاسم يمتد
محيطها 5 أميال، وتضم أبراجا مربعة من كتل
الملح. وتوجد منطقة اتنة على بعد 50 ميلا من
الساحل وفي الجهة المقابلة لها وعلى نفس
البعد من الساحل توجد جزيرة تيروس الشهيرة
بلألئها المتعددة)) (الكتاب 6 الفصل 32 القسم 147).
مستوطنة ثاج
تقع
ثاج في شمال شرق
المملكة العربية السعودية على بعد 95 كم من
ساحل الخليج العربي وعلى أطراف منطقة وادي
المياه و على دروب القوافل البرية المحلية و
العالمية (درب الكنهري ودرب الجمل) بين جنوب الجزيرة العربية وجنوب
الدولة البابلية مرورا بنجران وقرية الفاو
واليمامة وهجر، ولثاج منفذ آخر على الخليج
العربي في موقع الدفي الأثري شمال مدينة
الجبيل تنقل منه البضائع الى تيلوس (جزيرة
البحرين) أو الى رأس الخليج العربي شمالا وإلى
أكاروس (جزيرة فيلكة في دولة الكويت) ومن ثم
الى بابل والفرات الأعلى بأرض العراق.
واستنادا
إلى حجم المدينة المحصنة ومدافنها
وفخارياتها ونقوشها الحسائية وعملاتها
البرونزية أنها كانت من أهم المدن البرية في
محيط المناطق المجاورة وأحد المرشحين
الرئيسين لموقع الجرهاء المدينة الأسطورية
التي لم يستطع أحد التعرف على موقعها.
السور
الدفاعي ومستوطنة ثاج ابتدأت
تطلعات الإسكندر الأكبر لثروات الجزيرة
العربية بعد غزواته
للهند و أصر على استكشاف ساحل الخليج إذ انه
دعا سفراء الدول الصغيرة الى بابل، فلبى
الجميع الدعوة فيما عدا الجزيرة العربية،
فأعلن الاسكندر عن إجراء حملات تأديبية عليهم،
أبحر في البداية ثلاث بعثات استطلاعية الى
ساحل الخليج العربي تحت قيادة ((أرخيز))، وطبقا
لما جاء عن جيمس
آريان الذي دون أخبار الاسكندر الكبير عام 170 م
معتمدا على كتب السابقين (( فقد عادت تلك
البعثات بروايات عن حالة من الرخاء الخرافي
الذي يضارع ثراء فينيقيا)). وعليه تم تجهيز
أسطول كبير، لولا أن الاسكندر الأكبر وافته
منيته عام 323 ق.م وبذلك
تبخرت أحلام هذا التوسع الخطير على الجزيرة
العربية. في
الفترة السلوقية كانت الجرهاء قد أصبحت
بالفعل مركزا له أهميته، فقد روى كيف أرسل
الملك أنطيوخوس الثالث قوة عسكرية بحرية ربما
كانت في عام 205 ق.م
لإخضاع الجرهاء، ولا تزال قصته التي لم
يبق منها سوى جزء صغير ورد كالأتي: ((
لقد رجا الجرهائيون الملك ألا يحرمهم النعم
التي أسبغها الله عليهم وهي السلام والحرية
الدائمان. ولما ترجم خطابهم الى الملك قال أني
أجيبهم الى مطالبهم … ولما حصلوا على حريتهم
استصدر الجرهائيون مرسوما بتكريم أنطيوخوس،
وذلك بإهدائه خمسمائة قطعة من الفضة ومائة
قطعة من اللبان ومائتا قطعة مما يسمونه عبق
البخور (مثل المر). وعندئذ أبحر الملك الى
جزيرة ((تيلوس)) ثم غادر الى ((سلوقيا)). وكانت
العطور تأتي من الخليج الفارسي)). (الكتاب 13
فصل 9). معجم
سترابو الجغرافي. وفي
عهد الرومان قلت أهمية الخليج العربي بعد أن
تحولت عنه الطرق التجارية إلى البحر الأحمر
حيث ساءت العلاقات السياسية بين بقايا الدولة
السلوقية ثم الدولة الرومانية مع الفرس الذين
كانوا يسيطرون على وادي الرافدين وكانوا في
صراع مستديم مما أدى إلى توقف الحركة
التجارية في منطقة الخليج العربي إلى أن ظهرت
الطلائع الإسلامية التي قوضت صرح
الإمبراطورية الرومانية والفارسية.
لقد
قام فريق من الإدارة العامة للآثار والمتاحف
بأجراء حفريات في ثاج الموسم الأول 1983م حول
بعض منشآت المباني داخل سور المدينة وفي ثلاث
مناطق متميزة خارج سور المدينة، وفي الموسم
الثاني 1984م استكمالا للموسم الأول
علما بأن إدارة الآثار قامت
بمسح المنطقة عدة مرات. تتألف
منطقة ثاج الأثرية إلى مدينة داخلية محاطة
بسور رباعي يبلغ طوله 2.535م السور
الشمالي 725م ، الجنوبي 685م ، الشرقي 535م ،
الغربي 590م ، عرض هذا السور حوالي 4.5م ، ومدينة
خارجية ممتدة باتجاه الجنوب نحو جرف حواف
الصخور الجيرية وحقل من تلال المدافن
الركامية، كلتا المدينتين الداخلية
والخارجية مرتا بخمسة مراحل استيطانية
رئيسية على الأقل. وتبين
المعثورات الأثرية من فخاريات التسلسل
الاستيطاني أن الفخار من النمط الهلنستي قد
استورد وأيضا قد صنع محليا في هذه المدينة،
لذا فان فترة الاستيطان في ثاج من حوالي 300
ق . م إلى 300 ميلاديا
وان المرحلة الأولى والثانية تعودان إلى
العصر السلوقي المبكر لوجود الفخار الرقيق
ومن المحتمل أن الطبقات السفلة في المرحلة
الأولى للاستيطان المبكر تعود إلى ما قبل
العصر السلوقي بسبب وجود الفخار الرملي الخشن
المحلي !! بينما
تعود المرحلتان الثالثة والرابعة إلى العصر
السلوقي وذلك لوجود الفخار اليوناني الأتيكي
المستورد ويمكن تأريخ المرحلة الخامسة إلى
العصر السلوقي المتأخر بناء على وجود الفخار
اليوناني مع أنواع من الفخار الروماني. تلال شرق إمارة ثاج تل الزاير (1998م -1418هـ)
تل
اثري بارتفاع حوالي 5.70م وبقطر حوالي 55م يتكون
من مخلفات فرن حرق أو شوي الفخار. سبب
اختيار هذا التل الأثري لقيام مجس عليه هو
مطالبة أحد المواطنين من هجرة ثاج و المالك
للأرض لكشفه وذلك بأنه سيقوم بالبناء في أرضه
والتي عليه جزء من هذا التل. هذا
التل قد تعرض قديما للتعدي من الجهة الجنوبية
الغربية من قبل أهالي الهجرة كما انه قد عمل
عليه مجس من قبل إدارة الآثار بالرياض في
الجهة الجنوبية الشرقية منه. قسم
هذا التل إلى مربعات متساوية
5م × 5م حسب شبكية
وضعت عليه وعلى هذا
فتم البدء في المربع ث3 وهذا المربع أعلى نقطة
في هذا التل. وعلى
عمق حوالي 130 سم وعند المقطع الجنوبي تكونت
فتحة أو فجوة في المقطع وبداخلها وجد بعض
الحجارة التي قد تدل على بناء ما؟ واصلنا
الحفر إلى عمق حوالي 160 سم وتأكدنا الآن انه
مدفن وان هذا المدفن مسلوب لعدم وجود غطيان
المدفن عليه (الكب ستون) وتم الاكتفاء بهذا
العمق حتى يتم فتح مربع جديد المربع
ث 4 وتم
بالفعل النزول في المربع
ث 4 إلى غرفة الدفن وهى بطول 2م
وعرض 1.20م وقد
بنيت الجدران بالحجر الجيري المقطوع المهذب
وعند رفع الأحجار المتساقطة من غطيان المدفن (الكب
ستون) التي وجدت على عمق حوالي
70سم إلى 90 سم ظهرت لنا ثلاث قطع ذهبية من
الخرز في وسط المدفن وكذلك ثلاث قطع صغيرة من
الأزره الذهبية أثناء عملية الغربلة، وظهور
قطع دائرية من المعدن في الزاوية الشمالية
الشرقية والزاوية الشمالية الغربية للمدفن
وهي تمثل أركان تابوت أو السرير الجنائزي. لقد
تم الاتصال بإدارة الآثار والمتاحف بالرياض
بسرعة إرسال باقي أعضاء الفريق من المرممين
واستمرت عملية الحفر خارج المدفن داخل
المربعين ث 3 و ث 4
والوصول إلى عمق 210 سم. عند
وصول فريق المرممين تمت متابعة أعمال الحفر
داخل المدفن بحذر وحرص كما رفعت مرة أخرى
مجموعة من غطيان المدفن الساقطة إلى عمق 100 سم
داخل المدفن وبعدها بداء ظهور المقتنيات
والمرفقات الجنائزية من قناع ذهبي وحلي
والأقراط الذهبية والأساور والخواتم والكف
وشرائط ذهبية ورقائق دائرية ذهبية، بعدها تم
رفع هيكل السرير الجنائزي المتآكل وقوائم
السرير المتمثلة بأربعة تماثيل لكي يتم رفع
الهيكل العظمي وذلك بقص الأرضية الجصية لكن
هذه العملية لم تنجح فتم تجميع العظام
ووجد تحت الهيكل العظمي ثلاث أواني
معدنية متآكلة .
القناع
والحلي الذهبية الهيكل
العظمي بطول حوالي 120 سم وهو لطفلة بين عمر
9 و 11 سنة وضعت مستلقية على الأرض الجصية،
اتجاه الهيكل شمال جنوب والرأس من الجهة
الجنوبية للمدفن.
الهيكل
محاط برقائق الذهب الدائرية وصف
المرفقات الجنائزية: §
السرير الجنائزي يتكون من
أربعة قوائم من الرصاص الذي قد يكون صبغ بماء
الذهب وهي تماثيل لشابة ترتدي ملابس إغريقية
وطعمت العين بالعاج وهيكل السرير الجنائزي
عليه زخرفة ونقش بارز لدلفينين مرتبطان
بالذيل وسهم يخرقهما من
الفم. §
أربعة أواني من خليط الرصاص
مع الفضة بحالة سيئة وجدت تحت الهيكل. §
مفتاح الحيات أو مفتاح
الجنة من الحديد وبحالة سيئة. §
القناع الذهبي
تم وضعه على الوجه وبه ثقوب على الأطراف
للتثبيت وبه العيون مع الأنف والفم وبحواجب
متصلة قد تكون لابراز جمال المرأة المحلية في
ثاج، عثر عليه على عمق 120 سم ، استخدمت هذه
الأقنعة كمرفقات جنائزية في الفترة
الإغريقية والرومانية. §
عقد ذهبي مكون من ستة فصوص من حجر الفيروز و سبعة فصوص من حجر
الياقوت بوضعية
متناوبة يفصل الفصوص عن بعض حبتين لؤلؤ بعدد
أربعة وعشرون حبة. §
عقد ذهبي ذو سلسلة ذهبية به
قلب مطعم بأربعة قطع حجرية من الفيروز بينها
حبات من اللؤلؤ بعدد أربعة
وفي وسط القلب فص من الياقوت عليه نقش
يمثل وجه امرأة ربما تكون آلهة الحب و الجمال (أفروديتي)
في الأساطير القديمة. §
عقد ثالث من الذهب مكون من
واحد وعشرون خرزة أسطوانية. §
عدد اثنين من الأساور
الذهبية خالية من الزخارف وجدت على الساعد
الأيسر. §
عدد أربعة رقائق على شكل
شريط من الذهب مختلفة الأطوال، ثلاث منها
كانت على الجمجمة والرابعة على الحوض. §
عدد
اثنين من الخواتم الذهبية وجدت على أصابع
اليد اليسرى الخاتم الأول به فص من الياقوت
عليه نقش تمثال الآلهة أرتميس
في الفترة الإغريقية
المقابل له الآلهة ديانة في الفترة الرومانية والآلهة
أرتيمس هي ابنة زيوس أبو الآلهة وأمها ليتو
وأخوها التوأم أبولو وهي الآلهة العذراء التي
تطلب من اتباعها التمسك بحياة الطهر وتقضي
معظم الوقت لاهية بالقنص والرقص مع رفيقاتها
العذارى من الحوريات . §
الخاتم الثاني من الذهب وبه
فص من الياقوت عليه نقش جانبي لشخصية قد تكون
عسكرية لحاكم المنطقة.
§
عدد اثنين من حلق الأذن
الذهبية. §
كف من الذهب بطول 15 سم وعرض 5
سم عليه ثقوب للتثبيت. §
عدد كبير من الرقائق
الذهبية حوالي ثلاث وثمانون قطعة وجدت حول
الهيكل العظمي، معظمها رقائق دائرية عليها
زخرفة نباتية. §
ثلاث من هذه الرقائق
الذهبية عليه الإله زيوس وهو واقفا وبيده
اليسرى الصولجان أما يده اليمنى فهوى ممسك
بطير قد يكون النسر. §
الإله زيوس اله السماء واله
المطر والرعد والبرق والصواعق والنيازك وهو
أبو الآلهة والناس ورب الأديان وكان يحكم من
مقره بأعلى قمة في جبل ألمبوس. §
قطعة واحدة من رقائق الذهب
عليها نسر واقف والنسر من آلهة الجزيرة
العربية. §
قطعة واحدة من رقاق الذهب
الدائرية، وجه قد يكون امرأة أو آلهة مرتدية
إكليل من الأوراق النباتية وبشعر على هيئة
ضفائر. §
عدد خمسة قطع من رقائق
الذهب الدائرية بدون زخارف. §
عدد أربعة قطع من رقائق
الذهب الدائرية عليها علامة زائد
(+). §
عدد تسعة قطع من رقائق
الذهب مربعة الشكل مثقوبة على الأطراف. §
عدد كبير من الأزره الذهبية
وهي بحجمين. §
عدد ستة من الخرز الأسطواني
من الذهب. الخاتمة
هنالك
الكثير من الأسئلة عن ثاج واصل هذه المدينة
العربية العريقة بتاريخها الحضاري والكثير
من الأسئلة عن عبادات أهل المنطقة والطقوس
الدينية التي اتبعوها
والكثير من الأسئلة عن هذه
الطفلة التي قد تنسب الى أسرة حاكمة للمنطقة
لذا فهنالك نقص في البحث الميداني والمكتبي
في بناء الوضع الحياتي والاجتماعي لسكان ثاج
وان المواصلة في التنقيب والدراسة في هذا
الموقع أو مواقع أخرا للخروج بنتائج ومعطيات
افضل سوف تكشف لنا غموض حضارة شرق الجزيرة
العربية التي كانت سائدة في تلك الفترة من
الزمان الى أن اندثرت وبقي ذكرياتها في باطن
الأرض.
متحف
الدمام الإقليمي
نبيل
يوسف الشيخ يعقوب |
|
Send E-mail to
TSN@The-Saudi.Net with questions or
comments about The Saudi Network. We are Looking for Business Sponsorship or Marketing Partnership |